حتى أنت يا عمر موسى!!!



 
 
 
بقلم: محمـــد أبوعــلان *
الظلم والقهر المتزايد في هذا "العالم الحر" للشعوب المقهورة كرس الكثير من المفاهيم المقلوبة التي تعبر وتخدم مصالح الأطراف القوية سياسياً وعسكرياً في هذا العالم، وبات الأمر يقوم على منطق أن هذه الشعوب المقهورة هي سبب مآسي هذا "العالم الحر"، وإن وجودها بات فيه الكثير من الخطر على هذا النظام العالمي الجديد، بالتالي التخلص منها أو بقائها تحت آلت القمع والسيطرة هو الحد الأدنى المطلوب من النظم السياسية القمعية، والنظم السياسية العربية هي رأس الحربة في محاربة الشعوب المقهورة والتي هي شعوبها، وهذا القمع والمحاربة لهذه الشعوب يعود لسببين الأول هو غياب نظم الحكم الديمقراطية الحقيقية عن العالم العربي، بالتالي لا يوجد غير القوة والقمع للسيطرة على هذه الشعوب، والثانية الحفاظ على مصالح الرأسمالية الأمريكية بشكل خاص والغربية بشكل عام كونها توفر الحماية الأمنية لهذه النظم السياسية العربية الشمولية، ولا وجود لها بدون هذه الحماية والدعم الأمني وما القواعد الأمريكية القائمة، والقواعد الفرنسية القادمة، والبوارج والمدمرات التي تجوب البحار  المحيطة بهذه الأنظمة إلا الدليل الواضح على ذلك.
وهناك من هو معاناته مضاعفة من هذه الشعوب العربية وهي الشعب الفلسطيني واللبناني والعراقي، وبدلاً من أن تكون الأنظمة العربية ومؤسسات الحكم فيها حريصة على رفع ظلم واستعمار الأجنبي لها تسعى لتكريسه وخدمته بشتى السبل والوسائل لتثبت ولائها وحرصها على مصالح من يوفرون لها الأمن والحماية، ولفهم هذا الواقع سنأخذ حالة الواقع الفلسطيني المرير، فالاحتلال منذ ستون عاماً لا زال جاثماً على أرضنا، والحصار والجوع والفقر تضاعف في السنوات الأخيرة أضعاف مضاعفة نتيجة حصار دولي ظالم غير مبرر بكل القوانين والشرائع، إلا بالمواثيق والشرائع الأمريكية والغربية والإسرائيلية.
فبدلاً من أن تكون معاناة الشعب الفلسطيني على رأس الأجندة العربية على الأقل في ظل غيابها عن الأجندة الدولية، نرى أن الأنظمة العربية وساستها وجامعتها العربية لتسعى لتأمين الأمن والحماية للاحتلال من المقاومة الفلسطينية تحت مسميات ومسلكيات تحمل عنوان حماية الشعب الفلسطيني والدفاع عنه، رغم أن الشعب الفلسطيني لم يتبقى لديه شيء على أرض الواقع يدافع عنه ويحمه، فأرضه محتلة من النهر إلي البحر، ومجاز الاحتلال ظاهرة مستديمة طوال الستون عاماً الماضية ولا زالت، ومعتقليه تجاوزوا الإحدى عشر ألفاً بينهم الكثير من النساء والأطفال، وما تبقى له هو الحفاظ على مقاومته ضد الاحتلال من أجل انتزاع حقوقه، على أن تكون هذه المقاومة من خلف برنامج سياسي متوافق عليه وطنياً والخروج من حالة الانشقاق والتشرذم.
وعودة للشواهد والتواطؤ العربي علينا وعلى قضيتنا يمكن البدء باستعراضها إلى النقطة التي وصلت إليها الأمور في أيامنا هذه، فالمحرقة التي يتعرض لها قطاع غزة لم تجد آذاناً صاغية من النظم الرسمية العربية، وحتى الهبة الشعبية في الشارع العربي لم ترقى لمستوى الحدث، وليس هذا فقط بل هناك من بدء بالسعي لدى المقاومة لإعلان وقف صواريخ المقاومة من طرف واحد وكان ذلك في ذروة الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، ومن من كانت  المبادرة من عمر موسى أمين عام الجامعة العربية، وكأن المشكلة في صواريخ المقاومة وليس في الاحتلال ومجازره المستمرة بوجود صواريخ المقاومة وبعدم وجودها، وكان المتوقع من أمين عام الجامعة العربية أن يدعوا لمؤتمر قمة عربي فوري (مع قناعتنا بعدم جدواها) للبحث في سبل وقف العدوان لا أن يطلب من المقاومة أن إيقاف الصواريخ التي من شأن توقفها أن يمكن ويقوي موقف رئيس حكومة الاحتلال، ويعيد الهيبة المفقودة لجيش الاحتلال الذي فقدها في جنوب لبنان أثناء عدوان تموز 2006.
والصمت إن لم تكن المشاركة في الحصار على الشعب الفلسطيني هو المؤشر الآخر على هذا التخاذل، وكان متوقع من أمين الجامعة العربية أن يجعل هذا الأمر على رأس اهتماماته بدلاً من تكريس كل جهوده لتمرير المشروع الأمريكي في لبنان باسم المبادرة العربية تارةً، وباسم الحفاظ على السلم والأمن في لبنان مرّة أخرى، ويقضي جل وقته في بيروت للقاء من ربطوا مصيرهم ومصير لبنان بالمشروع الأمريكي بهدف التخلص من المقاومة الوطنية اللبنانية وعلى رأسها حزب الله.
وفي سياق الحديث عن الحصار وتابعياته نريد أن نسأل عن كل السياسيين والإعلاميين المصريين الذين وقفوا ضد دخول أهل غزة إلى العريش بعد هدم الجدار الحدودي بين مصر وقطاع غزة لجلب الطعام والدواء من هناك بعد حصار دام حوالي العامين، واعتبروا ذلك خرق للسيادة المصرية، لماذا لم ينتفض هؤلاء ضد مقتل الطفلة المصرية وداخل حدود مصر بنار  قناص إسرائيلي ؟، ولماذا لم يطالبوا بتكسير أيدي وأرجل من أطلق النار من جنود الاحتلال وقتل الطفلة المصرية وانتهك سيادة الدولة المصرية، أم أن عظام الشعب الفلسطيني فقط هي السهلة على الكسر والتحطيم وعظام جنود الاحتلال عصية على ذلك، ولماذا صمت الأمين العام للجامعة العربية عن انتهاك سيادة دولة عربية مستقلة وعضو في الجامعة العربية، ناهيك عن أن مصر هي دولته الأم.
أما عن حرص النظم السياسية العربية الرسمية والقادة السياسيين والأمنيين فيها على حياة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط فحدث ولا حرج، فمنذ اللحظة الأولى لأسر هذا الجندي قامت الكثير من الأنظمة العربية ولم تقعد ولن تقعد حتى تضمن عودته لبيته، بينما الإحدى عشر ألف  أسير فلسطيني ليسوا محط اهتمام أحد من هذه النظم على الرغم من أن  قسم كبير منهم أمضى الثلاثون عاماً وأكثر في سجون الاحتلال، وهذا أمر ليس بالمستغرب عليهم، فهناك الكثير من رعاياهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين والاحتلال الأمريكي في العراق، وهناك المئات من رعاياهم في معتقل غوانتاناموا وكل هؤلاء في طي النسيان بالنسبة لذاكرة القادة السياسيين للعالم العربي، وأمين عام جامعتهم العربية، وهذا غيض من فيض من المواقف العربية"القومية" تجاه إحدى القضايا المصيرية للشعوب العربية وهي القضية الفلسطينية، وموضوع القضية العراقية واللبنانية ليس بحال أفضل من حال قضيتنا الوطنية، فمع كل يوم يمر تتكشف الكثير من الحقائق والمؤامرات التي جعلت الواحد منا أقرب لأن يكفر بهذه القومية العربية وحتى لانتمائه لهذه الأمة.
والسؤال الذي يبقى مفتوحاً، من يتحمل مسئولية هذا الواقع ؟، والجواب واحد ووحيد هو هذه الشعوب العربية التي ارتضت لنفسها الهوان والقبول بالقمع الذي بات جزء من ثقافتها اليومية، والسكوت عن مثل هذه الأنظمة التي صادرت حرياتها ونهبت مقدراتها لصالح حماية نفوذ الاستعمار بكافة أشكاله المباشرة وغير المباشرة.